في الحياة الزوجية، يُفترض أن يكون الشريك مصدر دعم وأمان عاطفي، إلا أن بعض العلاقات قد تصبح مرهقة ومليئة بالتوتر نتيجة اضطرابات في شخصية أحد الزوجين. ومن بين أبرز هذه الاضطرابات، تبرز النرجسية كأحد أكثر الصفات التي تؤدي إلى اختلال التوازن العاطفي في العلاقة. النرجسية ليست مجرد حب الذات الزائد، بل هي اضطراب نفسي له جذور عميقة وآثار بالغة على الطرف الآخر. وعندما تكون الزوجة هي الطرف الذي يتصف بهذه السمة، فإن العلاقة الزوجية تتحول إلى ساحة صراع نفسي دائم، يُستنزف فيها الزوج عاطفياً، ويعيش تحت وطأة التلاعب والضغط المستمر.
النرجسية لدى النساء قد تكون أقل ظهوراً من نظيرتها عند الرجال، لكنها لا تقل خطورة. وغالباً ما تتجلى في سلوكيات متقنة التمويه، تُغلف بالذكاء والنعومة، لكنها تحمل في جوهرها رغبة شديدة في السيطرة، وافتقاراً للتعاطف، وحاجة مفرطة للإعجاب. هذه التركيبة تجعل الزوجة النرجسية قادرة على إحداث اضطرابات عميقة في العلاقة دون أن يلحظ الزوج في البداية أن ما يواجهه ليس مجرد تقلبات مزاجية أو سوء تفاهم، بل اضطراباً نفسياً معقداً.
السمات النفسية للزوجة النرجسية
الزوجة النرجسية لا تظهر بشكل واضح كأنها “نرجسية” في البداية. غالباً ما تبدأ العلاقة برومانسية زائفة، ومبالغة في الإعجاب بالشريك. لكنها تدريجياً تكشف عن طبيعتها المتحكمة، وتبدأ في سحب السيطرة تدريجياً على كافة مفاصل العلاقة. ومن أبرز السمات النفسية التي يمكن ملاحظتها في هذا السياق:
-
التمحور حول الذات: تعتقد الزوجة النرجسية أن العالم يدور حولها، وتنتظر من زوجها أن يلبي كل رغباتها ويضعها في مركز أولوياته دائماً. تُشعره بأن عليه التفرغ لخدمتها نفسياً وعاطفياً ومادياً.
-
نقص التعاطف: لا تبالي بمشاعر الآخرين، ولا تهتم بمعاناة زوجها أو احتياجاته العاطفية. إذا اشتكى من إرهاقه أو من ظروف الحياة، قد تستخف بكلامه أو تهاجمه لأنه “لا يفكر بها بما فيه الكفاية”.
-
الحساسية المفرطة تجاه النقد: رغم أنها قد تنتقد زوجها باستمرار، فإنها ترفض أي ملاحظة أو انتقاد موجه لها، حتى وإن كانت بناءة أو ناعمة، وتعتبره هجوماً شخصياً يهدد صورتها المثالية عن نفسها.
-
استغلال العاطفة: تستخدم مشاعرها كسلاح للسيطرة. قد تبكي فجأة أو تدعي الحزن أو المرض إذا شعرت أن الزوج بدأ يبتعد عنها أو يرفض الانصياع لأوامرها.
-
الغيرة المَرَضية: لا تتحمل أن ترى زوجها ناجحاً أو محط إعجاب من الآخرين، فتبدأ بالتقليل من إنجازاته، أو تُثير الشكوك حوله، أو تُحاول عرقلته بحجج تبدو عقلانية لكنها تخفي دوافعها الأنانية.
العلامات السلوكية التي تكشف نرجسية الزوجة
من الناحية السلوكية، هناك عدة مؤشرات واضحة يمكن أن تساعد الزوج في إدراك طبيعة هذا الاضطراب. هذه العلامات لا تظهر دفعة واحدة، بل تتسلل تدريجياً إلى العلاقة:
-
حب التملك والسيطرة
الزوجة النرجسية تكره أن يكون للزوج استقلالية. تريد أن تعرف كل تحركاته، وتراقب قراراته، وتُظهر انزعاجاً إذا اتخذ قراراً دون الرجوع إليها. تشعر أنها “مالكة” له وليس شريكة حياة. -
اللعب بدور الضحية بشكل دائم
تلجأ لتقمص دور الضحية في كل موقف لتنال تعاطف الزوج، وتُشعره بالذنب، وتجعل نفسها مركز الاهتمام. حتى أخطاؤها تُبررها بأنها نتيجة “ما فعله بها الآخرون”. -
التلاعب النفسي (Gaslighting)
من أبرز أساليب الزوجة النرجسية أنها تُشكك الزوج في إدراكه للواقع، وتُشعره بأنه هو المخطئ دائماً، رغم أن الحقيقة عكس ذلك. تستخدم عبارات مثل: “أنت تبالغ”، “أنت حساس جداً”، “كل هذا في خيالك”. -
الاهتمام المفرط بالمظاهر
تُعطي صورة مبالغة عن نفسها أمام الآخرين، وتحاول إظهار تفوقها الاجتماعي والثقافي، وتُبالغ في تجميل تفاصيل حياتها الزوجية أمام الناس، لكنها تكون شخصاً مختلفاً تماماً في البيت. -
الأنانية في العلاقة الحميمة والعاطفية
لا تهتم بما يشعر به الزوج في العلاقة، وتركز فقط على رغباتها واحتياجاتها. وإذا لم تحصل على ما تريد، تُشعر الزوج بأنه مُقصر، أو تُعاقبه بالبرود العاطفي. -
استخدام الأطفال كأداة للابتزاز
في حال وجود أطفال، قد تستخدمهم للتأثير على الزوج عاطفياً، أو لفرض سيطرتها، أو حتى للانتقام منه إذا حدث خلاف بينهما.
آثار النرجسية الزوجية على الطرف الآخر
الزواج من امرأة نرجسية لا يمر مرور الكرام على الصحة النفسية للزوج. بل يترك آثاراً عميقة، منها:
-
استنزاف الثقة بالنفس: بمرور الوقت، يشعر الزوج أنه عديم القيمة، وأنه مهما بذل من جهد فلن يلقى التقدير.
-
القلق والتوتر المستمر: يعيش في حالة من الحذر الدائم خشية إثارة غضبها أو امتعاضها، ما يُولّد توتراً نفسياً مزمناً.
-
العزلة الاجتماعية: تسعى الزوجة النرجسية غالباً لعزله عن أسرته وأصدقائه حتى لا يكون له مصدر دعم خارجي.
-
الاكتئاب: مع تراكم الإهانات والضغوط النفسية، قد يصل الزوج إلى مرحلة يشعر فيها بالعجز، ويُصاب بحالة اكتئاب حادة.
الفرق بين النرجسية والطباع الصعبة
من الضروري التمييز بين المرأة التي تملك طباعاً قوية أو مستقلة، وبين الزوجة النرجسية. فهناك نساء يُعبرن عن آرائهن بقوة أو يطلبن التقدير والاحترام، دون أن يكنّ نرجسيات. الفرق الجوهري هو أن الزوجة النرجسية لا تهتم فعلياً بمشاعر زوجها، ولا ترى فيه شريكاً بل وسيلة لتحقيق رغباتها. بينما المرأة القوية أو المستقلة تُقدر الشراكة الحقيقية وتبحث عن توازن في العلاقة.
الجدول التالي يوضح الفروقات بين الزوجة النرجسية والزوجة القوية:
| السمة | الزوجة النرجسية | الزوجة القوية أو المستقلة |
|---|---|---|
| التعامل مع النقد | ترفضه بشدة وتراه هجوماً | تقبله إذا كان بنّاء وتحاول التحسن |
| الاهتمام بالمشاعر | تهتم فقط بمشاعرها الخاصة | تُراعي مشاعر زوجها وتسعى للفهم المتبادل |
| الغيرة | غيرة مَرَضية تصل إلى التخريب | غيرة صحية تعبر عن الاهتمام |
| التعامل مع الأطفال | تستخدمهم كأدوات للسيطرة | تهتم بمصلحتهم واستقرارهم النفسي |
| طبيعة السيطرة | تسعى لفرض السيطرة المطلقة | تفضل الحوار والشراكة |
الأسباب النفسية والاجتماعية وراء سلوك الزوجة النرجسية
لا تنشأ النرجسية في فراغ، بل غالباً ما تكون نتيجة لتراكمات وتجارب نفسية في الطفولة أو النشأة:
-
دلال مفرط منذ الصغر: المرأة التي تربت على أنها “الأهم دائماً” تنمو معتقدة أن العالم يجب أن يلبي رغباتها.
-
إهمال أو قسوة عاطفية في الطفولة: بعض النرجسيين نشأوا في بيئات قاسية جعلتهم يبنون “درعاً نفسياً” من التعالي والبرود لحماية أنفسهم.
-
الثقافة المجتمعية: في بعض المجتمعات التي تُعطي مبررات للسيطرة أو تُمجّد المظاهر، قد تتعزز صفات النرجسية لدى بعض النساء.
طرق التعامل مع الزوجة النرجسية
التعامل مع زوجة نرجسية يحتاج إلى وعي نفسي وصبر كبير. من بين الخطوات التي قد تساعد:
-
الاحتفاظ بحدود واضحة: لا بد من وضع خطوط حمراء في العلاقة وعدم السماح بتجاوزها مهما كان الثمن.
-
عدم الدخول في لعبة التلاعب: عدم الانجرار إلى الدفاع الدائم عن النفس أو محاولة إرضائها على حساب الذات.
-
الحصول على دعم نفسي أو استشارة مختص: في كثير من الحالات، يُفضل التوجه إلى مستشار نفسي لفهم الوضع بعمق.
-
التقييم الواقعي للعلاقة: يجب على الزوج أن يسأل نفسه إن كانت هذه العلاقة تستحق الاستمرار، خاصة إذا بدأت تؤثر على صحته النفسية.
المصادر:
-
Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5), American Psychiatric Association.
-
Millon, Theodore (2011). Disorders of Personality: Introducing a DSM/ICD Spectrum from Normal to Abnormal.
-
Vaknin, Sam. Malignant Self Love: Narcissism Revisited.
-
Campbell, W. Keith & Miller, Joshua D. (2011). The Handbook of Narcissism and Narcissistic Personality Disorder.
-
Mayo Clinic Staff, “Narcissistic personality disorder”, Mayo Clinic Official Site.
هذا المقال يُسلّط الضوء على علامات الزوجة النرجسية، ويهدف إلى توعية القارئ بطبيعة هذا النوع من العلاقات، مع التركيز على أهمية الصحة النفسية للطرف الآخر.

